اللواء أركان حرب زغلول فتحي أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وقائد معركة لسان بور توفيق وصاحب الصورة الأشهر في هذه الحرب المجيدة.. عندما استسلمت له النقطة بعد قتال استمر سبعة أيام، وقد أدى له قائد النقطة التحية العسكرية في حضور الصليب الأحمر، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى سلاح المشاة بعد خدمة في قوات الصاعقة استمرت عشرة أعوام أبلى خلالها بلاء حسناً في حرب اليمن وفي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة..
كان اللواء زغلول فتحي ضابط عمليات من طراز فريد، وقد امتلك أدواته وحصل على الدورات الرفيعة وخدم أربعة أعوام في شعبة عمليات الجيش الثالث، ثم أربعة أخرى بهيئة عمليات القوات المسلحة، وفي حرب الخليج الثانية كان يشغل منصب رئيس أركان الفرقة الثالثة مشاه ميكانيكي وشاركت في هذا التوقيت في حرب تحرير الكويت واستطاع نقل الفرقة بأكملها بنجاح غير مسبوق، وهي المرة الأولى التي يتحرك فيها تشكيل بهذا الحجم مرة واحدة إلى خارج البلاد.. وكان محط ثقة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق صفي الدين أبو شناف، ونجحت الفرقة في تحقيق أهدافها. وعندما عاد عين أستاذاً لكرسي الاستراتجية بأكاديمية ناصر العليا حتى تقاعد في يوليو 1994.
وقد هرعت إلى دوحته والتقيناه في مكتبه بتاريخ 12 ديسمبر 2024 ودار بيننا حوار استغرق قرابة ثلاث ساعات، وأطلعني على أرشيفه الزاخر، وقص عليّ بالتفصيل مشوار حياته في القوات المسلحة التي مكث فيها قرابة الثلاثين عاماً، وكان حصيلة هذا اللقاء مقالنا التالي.
حياته ونشأته:
ولد زغلول محمد فتحي في العشرين من سبتمبر عام 1945 في قرية الحلواصي بمركز أشمون بمحافظة المنوفية لأسرة تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بهذه القرية وكان جده عمدة القرية، وجاء زغلول إلى القاهرة وهو طفل وتعلم في مدرسة القربية ثم الناصرية الإبتداية، ثم القربية الإعدادية، ثم الخديوي إسماعيل الثانوية بالمنيرة وحصل على شهادة الثانوية عام 1962.
كان زغلول فتحي يتمنى أن يلتحق بالكلية الجوية، وفي هذا التوقيت لابد أن يجتاز الطالب اختبارات الكلية الحربية أولاً ثم يلتحق بعد ذلك بالكلية الجوية ويستكمل الكشوفات بالمستشفى الجوي بالعباسية، وقد تم تبكير الدخول في الكلية الحربية ذلك العام في 5 سبتمبر 1962، وذهب للكشف في الكلية الجوية إلى نهايتها فلم يوفق بالالتحاق بها، وكانت فترة المستجدين قد قاربت على الانتهاء فقد قرر ألا يستمر في الكلية الحربية لولا نصيحة بعض المخلصين فرضح لمشيئتهم، وقد تخرج في الدفعة 45 في الأول من مارس 1964، ومن مشاهير دفعته: اللواء سمير محمود يوسف قائد قوت حرس الحدود ومحافظ أسوان الأسبق، واللواء عبدالمعين حسن أحمد قائد قوات المظلات الأسبق، واللواء محسن النعماني وكيل جهاز المخابرات العامة ووزير التنمية المحلية الأسبق، واللواء نبيل الرشيدي قائد الفرقة الرابعة الأسبق، واللواء منير أباظة كبير الياوران الأسبق.
وكان زغلول فتحي الثاني على الدفعة في اللياقة البدنية لذا تم إلحاقه على الصاعقة على غير رغبة منه وظل بها قرابة العشر سنوات حتى تولى كتيبة صاعقة قبيل وأثناء حرب أكتوبر المجيدة، وعقب حصوله على فرقة معلمي الصاعقة عين مدرساً بمدرسة الصاعقة لمدة عام حتى 1965، ثم عين قائد فصيلة صاعقة في الكتيبة 93 صاعقة في اليمن وكان قائدها الرائد صلاح بسيوني، وظل باليمن قرابة عام ونصف.
رأيه في حرب اليمن:
أثناء حواري مع اللواء زغلول قال رأيه في حرب اليمن: "مسرح عمليات جديد لم تتدرب عليه القوات المسلحة من قبل، وفي نفس الوقت لم نستفد من هذه الخبرة فيما بعد لاختلاف مسرح العمليات، وكان دخولنا إلى هذه الحرب قرار سياسي له ما يبرره".
بعد عودة النقيب زغلول من حرب اليمن تولى قيادة سرية صاعقة في الكتيبة 23 صاعقة وخاض أثناءها حرب يونيو 1967، وبعد انتهاء الحرب رجع مرة أخرى إلى مدرسة الصاعقة عام 1968، وكان معه الرائد مصطفى كامل محمد السيد قائد جناح بالمدرسة، ثم عاد إلى الجبهة رئيساً لعمليات الكتيبة 43 صاعقة في يناير 1972، وكان قائد الكتيبة الرائد بهجت تمام ذهب للحصول على فرقة قائد كتائب، واستلم الرائد زغلول الكتيبة من القائد السابق ورئيس العمليات في آن واحد ولم يلتحق الرائد بهجت بالفرقة فقد تعرض لحادث سير ومكث بالمستشفى إلى يونيو 1972 وفي يوليو 1972 عين الرائد زغلول قائداً للكتيبة، وكانت تتبع المجموعة 127، وكانت التعليمات تصدر إليه من اللواء عبد المنعم قائد واصل قائد الجيش الثالث الميداني.
وفي فبراير أعد الرائد زغلول قرار الكتيبة 43 صاعقة وتم وضعه في الخزينة، وبدأ التدريب في نقطة قوية في الكيلو 85 بطريق السويس، وكانت الكتيبة تتمركز في الكيلو 61 .
* هل استفادت قائد الكتيبة من خطة هجوم الكتيبة 43 على نقطة لسان بورتوفيق أثناء حرب الاستنزاف؟
- يجيب عن هذا اللواء زغلول فتحي: "كنا في حرب أكتوبر 1973 نحارب التاريخ والجغرافيا، لماذا التاريخ؟ لأن النقطة هوجمت عام 1969 والنقطة ليس لها غير طريق اقتراب واحد بالمواجهة، وقد عمل اليهود تحصيناتهم وخطة النيران لمواجهة أي هجوم بالمواجهة، وفي هجوم الكتيبة عام 1969 استخدمت مراكب (زودياك) بموتور ويستغرق عبور القناة دقيقتين، واختلف الأمر في حرب أكتوبر 1973 فقد عبرنا في قارب دورية يحمل خمسة أفراد بأربعة مجاديف ويستغرق العبور نصف ساعة، لأن هذه المنطقة أكبر عرض للقناة وتبلغ مسافتها 600 م .
ولماذا الجغرافيا؟ كانت النقطة محاصرة بالمياه من ثلاثة اتجاهات ويربطها باليابسة شرق القناة طريق طوله واحد ونصف كم وعرضه 50 م كما أن شدة التيار في هذه المنطقة أعلى من شدة التيار في القناة نتيجة المد والجزر، والنقطة مرتكزة على رصيف بحري، وكان اليهود يطلقون عليها "نقطة رصيف الميناء"، ولما بدأنا العبور ووصلت القوارب إلى الشاطيء الآخر، كان ارتفاع المياه 2 م، وكان الجندي يقفز على زميله حتى يتسلق الساتر الترابي".
وظلت الكتيبة تقاتل سبعة أيام حتى تم الاستيلاء على النقطة في أكتوبر 1973 بحضور الصليب الأحمر، وظلت في الحصار حتى شهر فبراير 1974.
التحق الرائد زغلول فتحي بالدورة 27 أركان حرب عام 1975 وعقب الانتهاء من الدورة رجع إلى سلاح المشاة بعد أن أمضى بالصاعقة قرابة عشر سنوات، وعين رئيساً لعلميات اللواء السابع مشاة التابع للفرقة 19 مشاة، وكان قائد الفرقة العميد أ.ح فاروق الصياد، وقد عرض عليه اللواء أ.ح أحمد بدوي سيد أحمد قائد الجيش الثالث الميداني أن يلحقه بشعبة عمليات الجيش، فصمم أن يتولى قيادة كتيبة مشاة فتولى قيادة الكتيبة 21 مشاة التابعة للواء السابع، ثم نقل إلى شعبة عمليات الجيش الثالث وظل بها أربع سنوات إلى عام 1982. ثم انتقل بعد ذلك إلى فرع التخطيط الاستراتيجي بهيئة عمليات القوات المسلحة ومكث بها حتى عام 1985، وفي أثناء هذه الفترة ذهب العقيد أ.ح زغلول فتحي ضمن وفد عسكري برئاسة اللواء محمد حسن الزيات إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل مراقبين عن مناورة القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن الشرق الأوسط، ثم تولى بعد ذلك رئاسة أركان اللواء 118 مشاة بالفرقة 23 مشاة ميكانيكي (وكان يقوده العميد فوزي خليل والذي تولى مدير إدارة شئون الضباط بعد ذلك).
التحق العقيد أ.ح زغلول فتحي بالدورة 11 بكلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1988، ومن زملائه في الدفعة: العميد طيار أ.ح أحمد شفيق قائد القوات الجوية ورئيس الوزراء الأسبق، والعميد أ.ح مصطفى عفيفي قائد قوات الحرس الجمهوري ومحافظ جنوب سيناء الأسبق، والعقيد طيار عرفة المستشار العسكري لرئيس الجمهورية بعد ذلك.
تولى العميد أ.ح زغلول فتحي قيادة اللواء 313 مشاة مستقل بالطور بقطاع الجيش الثالث، ثم تولى رئيس شعبة العمليات بالجيش الثالث، ثم رئيس أركان الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي بالمنطقة الشمالية العسكرية، والتي خاضت حرب الخليج وتخرير الكويت في مطلع 1991. بعدها عين أستاذ كرسي الاسترتيجية العسكرية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا سنتين، ثم أمضى سنتين رئيسا لكرسي الاسترتيجية العسكرية حتى تقاعد في 1/7/1994.
وبعد التقاعد أنشأ اللواء زغلول فتحي شركة الفتح للتجارة الدولية في عام 1995 وحتى 2018 وقد زار معظم دول العالم.
صور من التكريم:
حفلت حياة اللواء أ.ح زغلول فتحي بالعديد من مظاهر التكريم في مصر والدول العربية، ففي 13 أكتوبر 2016 اختارته الشئون المعنوية ليمثل القوات البرية كلها في اقتحام نقطة لسان بورتوفيق وبحضور ثلاثة رؤساء لمصر، عبد الفتاح السيسي وعدلي منصور، والمشير حسين طنطاوي، بمناسبة مرور 43 عاماً على حرب أكتوبر 1973، وهذا اتفاق عجيب 43 = الكتيبة 43 صاعقة التي كان يقودها في الحرب، 13 أكتوبر = يوم استسلام النقطة الحصية لسان بورتوفيق، وكانت الكلمة الساعة 11 ص وهو ميعاد تسليم النقطة، وقد حضرها أيضاً اللواء نبيل شكري مصطفى قائد قوات الصاعقة في حرب أكتوبر. وفي الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر تم تكريمه من الرئيس السيسي مع كبار قادة أكتوبر المشير أحمد إسماعيل علي وزير الحربية، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان الأسبق، والمشير الجمسي رئيس هيئة العمليات أثناء الحرب، ووزير الحربية الأسبق. واللواء مسعد ششتاوي قائد كتيبة في حرب أكتوبر وهو دفعة المشير طنطاوي.
كما حصل على نوط الشجاعة العسكري في حرب اليمن 1966، ووسام النجمة العسكرية في حرب أكتوبر 1973، ونوط التدريب من الطبقة الأولى، ونوط الواجب العسكري، ونوط الجمهورية من الطبقة الأولى في حرب تحرير الكويت 1991، ووسام تحرير الكويت من دولة الكويت عام 1991، ووسام عاصفة الصحراء من المملكة العربية السعودية عام 1991، ونوط الخدمة الطويلة، ووسام الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى.
-------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري.